بحـث
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ود الفاتكان | ||||
JOKER | ||||
seeda | ||||
ahmad alsaudy | ||||
kid | ||||
alsaye3 | ||||
moh.abdo | ||||
kokey | ||||
Submarin64x | ||||
ammar hamour |
المواضيع الأخيرة
إعداد الباحث العلمي بين الإبتكار والتقليد
إعداد الباحث العلمي بين الإبتكار والتقليد
حتل الباحث العلمي في الأقطار الصناعية مكانة مرموقة، فالتخطيط يخضع للبحث العلمي، والإختراعات والتقدم العلمي هو نتيجة البحث العلمي.. والتقدم الإقتصادي هو نتيجة البحث العلمي.. حتى الفنون والعلاقات الإجتماعية تخضع للبحث العلمي، الذي يقدم الحلول العلمية لمشاكل المجتمع وبشكل يتناسب مع متطلبات المجتمع وفق المعايير والنظرة الغربية، فالفلسفة والنظرة في الحضارة الغربية نحو الكون والإنسان والحياة وما يتعلق بها هو الدليل للباحث ومن ثم يصوغ عمله ونشاطه لما يحقق المزيد من التقدم، خدمة لتلك الفلسفة والنظرة إلى الحياة.
وهكذا فإن الباحث ومراكز الأبحاث والجهات المخططة للأبحاث في الحضارة الغربية، تكون منظومة حساسة تيحث متطلبات المجتمع ومن ثم تبحث عن الحلول لما يصادف المجتمع من مشاكل. وقد أٌفسح المجال له لكي يعرض على قيادات وأفراد المجتمع نتائج تلك الأبحاث لكي يتقرر أخيراً درجة أهمية الأخذ بتلك الحلول من عدمه. وهكذا فقد ثم توفير الحرية الكافيةوالحماية للباحث من جهة والديمقراطية
من جهة أخرى بشأن نقد وتقييم النتائج العلمية على الأقل من قبل المختصين أو الذين يعنيهم الأمر. ولا نقول بأن هناك حياداً مطلقاً تجاه النتاج العلمي ولكن هناك حياداً لا بأس به تجاه الباحثين وآرائهم ما لم تصطدم مع عقائد ومصالح السواد الأعظم من المجتمع أو الجهات المتنفذة فيه (مجموعات الضغوط في المجتمع الغربي). إن مراكز الأبحاث والتراث البحثي العلمي قد استغرقا قرونا حتى وصلا إلى ما هما عليه في الغرب لذلك فإن الباحث يجد مهمته يسيرة نوعا من لأن الظروف حوله هي التي توفر له الوسائل والطرائق للتقدم في بحثه. وحتى في حالة كون المركز البحثي غير موجود أصلاً وعليه أن يبنيه فإن بناءه لا يبدأ من فراغ، فهناك الكثير من الأمثلة السابقة وما حوله يساعده ويدعمه في تحقيق واجباته، بخلاف الوضع الذي عليه الحال في الأقطار العربية والإسلامية بل والنامية عموماً، إذ على الباحث أن يسبح عكس التيار، وأن يبدأ من فراغ مطلق، وأن يصنع كل ما حوله من ظروف لكي يسير نحو هدفه.
إن مستوى الإبتكار المطلوب من الباحث الغربي في ضوء الظروف التي يعيشها أقل من مستوى الإبتكار المطلوب من الباحث العربي في وطنه، فالأخير يحتاج إلى مواءمة فريدة ورائدة بين ظروف صعبة بل ومتناقضة بعضها يهدم بعضا لكي يخرج من خلالها بعمل وإنتاج ملموس في ضوء مدة زمنية لا يصبر المجتمع على إعطاء المزيد منها خاصة لمن لم يستغلها استغلالاً أمثل، ولا تسمح له أن يجرب فيخطأ. وهكذا نجد الباحث العربي الناجح في المؤسسات البحثية الغربية حين يعود لوطنه ومعه كل الخبرات التي اكتسبها هناك.. نجده يفشل في وطنه لا لشيء سوى أنه لا يجد الظروف السهلة الميسرة المحيطة بالبحث العلمي في بلده، بل يجد كل العقبات والتناقضات من حوله، وهو ليس مهيئاً لحل مثل هذه الإشكالات التتي تحتاج إلى ابتكار من نوع آخر ودراية بأمور بلده لم يكتسب الخبرة فيها. وهكذا يفشل هذا الباحث في إيجاد الحلول لما يحتاج مجتمعه، فتلجأ الغالبية العظمى منهم في إكمال ما بدأوه من أبحاث في الغرب عند دراستهم لنيل شهاداتهم العليا مما لا يجد تطبيقاً في مجتمعاتهم إلا القليل، والكثير مما لا تلح الحاجة للبحث فيه.
أما الشركات الأجنبية الإستشارية) فقد هيأ لها العالم المتتخلف حقول تجارب لإكسابها خبرة رائدة تستعملها في أماكن أخرى من العالم.. فإذا ما قامت بتجربة ما وفشلت قلما يسمى ذلك فشلا بل هو نجاح ليس وراءه نجاح أو يغض عنه الطرف.. وإذا ما انكشفت حقيقة فالسبب يعود للبلد المتخلف وليس للشركة أو الباحث الغربي.. وهكذا فإن تخلف البلدان النامية يزيد من إكساب الغرب خبرة وسيطرة ونفوذا.
وثمة أمر آخر، هو الحصول على المعلومات، فالباحث أو الخبير الأجنبي تقدم له كل المعلومات التي يحتاجها والتي لا يحتاجها، أما الباحث الوطني فالحصول على المعلومات عليه حرام في كثير من الأقطار النامية، فمن أين يأتي بالحلول لمشاكل لا يعلم عما يحيط بها من أمور شيئا ؟ وكيف ترجو مشورة من لم يملك خبرة ولا يسمح له أن يكتسب خبرة ؟ .. وهكذا نستنتج أن تقليد الباحث العربي للباحث الغربي لا يجدي نفعا فإن عليه أن يبتكر الكثير في ضوء ما يحيط به من ظروف في مجتمعه ، وبذلك يحتاج إلى درجة عالية من الإبتكار .
3- الباحث العلمي في التراث العربي الإسلامي..
سوف نلقي الضوء على مكانة الباحث العلمي في الحضارة الإسلامية لعلنا نجد فيها ما يساعدنا في تلمس طريقنا في المستقبل.
لم تكن العلوم الطبيعية في الحصارة الإسلامية منفصلة عن العلوم الإنسانية ةالدينية، لذلك نجد العالم الفلكي أو الرياضي هو مؤرخ وعالم بالفقه واللغة من جهة أخرى. لذلك فإن مناقشتنا هذه عن البحث العلمي في الحضارة الإسلامية لا يمكن حصرها في العلوم التقنية والطبيعيةبل ينبغي أن تشكل كافة جوانب الحضارة الإسلمية المترابطة.
لقد كان الباحث في الحضارة الإسلامية' عالما أو شاعرا أو فقيها أو فلكيا أو رياضيا مدركا لواقع الحياة العلمية في مجتمعه ومطلعا بل ومترابطا ومرتبطا بالنتاج العلمي لأقرانه ومن سبقوه من الباحثين والعلماء. لقد كان من أهم ما يمتاز به العلماء العرب والمسلمون الشمول والصدق والدقة والقناعة والزهد والصبر.. ولم يكونوا يلهثون وراء المكاسب المادية إلا ما ندر.. وكانت الغالبية العظمى منهم تبحث وتكد وتجتهد ابتغاء وجه الله، فقد عرفوا البحث العلمي وطلب العلم بكل فروعه التي تخدم الأمة.. عرفوه عبادة وجهادا، مهتدين بهدي القرآن الكريم في حثه على استعمال العقل ..أفلا يتدبرون، ..أفلا يعقلون، قل انظروا ماذا في السموات والأرض..، قل سيروا في الأرض فانظروا..، أولم يتفكروا، أولم ير الإنسان أنا خلقناه..، أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز..، أولا يرون أنا نأتي الأرض..، وعلمناه صنعة لبوس لكم..، علم الإنسان ما لم يعلم..، إنما يخشى الله من عباده العلماء..، وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
وهكذا نجد العلماء العرب والمسلمين تشدهم إلى عملهم ونتاجهم، روح وشعور يتسامى عن المادة وينأون بأنفسهم أن يقعوا في حبال الشهرة والجاه والمنصب والمكانة الإجتماعية وغيرها من الأمور المعنوية التي يحرص عليها علماء العرب اليوم والتي تعتبر جزءاً من المكافأة الدنيوية لهم من قبل مجتمعاتهم.
إن البحث وطلب الباحثين وطلب العلم من الباحثين العرب والمسلمين كان في عامته عملا من الأعمال المرتبطة بالعبادة ورضوان الله تعالى عليهم وفي ذلك يقول الإمام الغزالي الذي أرسلته أمه في صغره إلى المسجد يطلب العلم لكي يحصل على مهنة يعيش منها، يقول: "إبتغينا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله".. وهذا ينطبق على مئات بل آلاف من العلماء المسلمين الذين كانوا لا يجدون ما يقيمون أودهم وأود عائلاتهم إن كان لهم عوائل إلا من نسخ الكتب أو بيعها أو أعمال يدوية بسيطة، ولم يكونوا يبحثون قط عن شهرة أو جاه أو سلطان، بل كان أغلبهم يتحاشون الإختلاط مع السلاطين والأمراء خوفاً على دينهم من أن يعاب بأذى.
واليوم تلاقي الدعوة إلى العودة إلى تراث الأمة استحساناً لدى الكثير من مخلصي الأمة. إلا أن التقليد المحض لما هو في طبيعته جهداً بشرياً بذل فيه مبتكروه وجهدهم لكي يصلح لعصورهم لا يستدعي بالضرورة صلاحه لعصور أخرى.
إن استنهاض الأمة بتقليد أولئك السلف يكون بتقليدهم في خصالهم التي مرت من جهة، وابتكار الأساليب والوسائل التي تجمع بين تلك المثل والتقاليد التي حملوها وما يجابه المجتمع اليوم في ضوء الحضارة الحاضرة.
إن التحدي الكبير الذي يعاني منه الباحثون العرب والمسلمون اليوم، يكمن في الإبتكار للجمع بين التراث وروح العصر وهذه مهمة ليست باليسيرة كما يتراءى لأول وهلة.
4- مزايا الباحث العلمي الذي نحتاج:
من هو الباحث العلمي الذي نحتاج؟؟ ليس هو الموظف في مؤسسة مكتوب على بابها مركز بحث كذا أو مؤسسة بحث كيت.. الباحث هو الرائد الذي لا يكذب أهله والدليل لهم في ظلمات الجهل والتخلف. فالمفكر باحث، والوصحفي النشط باحث، والكاتب باحث، والمؤرخ باحث.. لذلك فإن الباحث الأمين يجب أن يتسم بالصدق والإصرار على الوصول إلى حلول للمشاكل التي يبحث فيها.. لهذا فإن مواصفات البحث تشمل لا محالة الجانبين المترابطين: الجانب الفني والجانب الأخلاقي.
في الجانب الفني.. يجب أن يكون الباحث مطلعاً على كل جوانب المشكلة التي يبحث عن حل لها، فهو بذلك بحاجة إلى المصادر الوثائقية والأدوات المختبرية والإتصالات الحديثة لكي لا يبذل جهوداً في حل مشاكل قد تم حلها في مكان آخر، وأن يعرف ما يرتبط بالمشكلة التي يدرسها من أمور، لذلك فإن الباحث يجب أن يتصف بمؤهلات فنية ذات علاقة بموضوع بحثه وأن يكون حريصاً أشد الحرص على الوصول إلى نتائج مفيدة وأن لا يدخر جهداً في سبيل تحقيق تلك الغاية.
أما في الإتجاه الأخلاقي.. فإن الباحث يجب أن يتصف بالصدق مع نفسه ومع من أئتمنه على أداء تلك الأمانة وأن يقوم بواجبه على أكمل وجه، وان لا تقف العقبات المادية الشخصية حائلاً دون أدائه لعلمه، ليس المقصود من ذلك أن يزهد الباحث في الدنيا ولا يهتم بحاجاته المادية ولكن عليه أن لا يقيم أية علاقة مباشرة بين المكافأة أو الراتب وبين نزاهة العمل البحثي ودقته وأصالته، فليس الموضوع موضوع بيع وشراء وعقد وتعاقد إن أخل أحد الطرفين بجزء من العقد كان الثاني في حل من الإلتزام (من وجهة نظره) فليس الأمر كذلك ولن تتقدم أمة روادها بهذه العقلية.
إن الموضوع هو موضوع جهاد، فالباحث يجب أن يكون مجاهداً عاهد الله تعالى على أداء واجبه سواء وفى العباد بدفع مكافآتهم له أم لا.. أما إن لم يكن كذلك فهو أجير يقوم بأداء عمل معين، وليس رائداً. والفرق بين الرائد والأجير كالفرق بين عنترة قبل أن يدرك حريته وبعدها حين ناداه أبوه (كر وأنت حر).. والحق أننا لن ولن نصل إلى وضع يكون فيه كل الباحثين مجاهدين، فلا بد وأن بينهم أجراء.. ولكن تقدم البحث الحقيقي لن يقع على عاتق الأجراء بل المجاهدين، وما لم يكن المجاهدون هم الغالبية أو أن بيدهم زمام المبادرة، فلن يكون لأبحاثنا تقدم يذكر. إن بين المواصفات الفنية والأخلاقية مواصفات لا بد منها لمن يتقدم لكي ينال تسمية الباحث، فعله أن يجبر نفسه على صفات يلزمها إلتزاما، عليه أن يكون صبوراً واقعياً للظروف المحيطة ببحثه متواضعاً إذا ما حقق نتائج باهرة، منظماً في عمله لا تشوش على تفكيره عقبات أو اضطرابات العالم من حوله رغم أن عليه أن يعيش هموم أمته ويساهم في حلها وأن يستغل كل ما يتوفر له من خدمات وحاجيات بأفضل وجه حتى وإن كانت يسيرة فلا يسرف في متطلبات فوق طاقة المصادر المتوفرة، وأن يولي أقصى اهتمام للتعامل مع البشر من حوله من مساعدين وباحثين آخرين وذوي علاقة، ولا يتعالى على من هو دونه علماً ومعرفة ولا يسفه رأياً مهما كان ساذجاً فربّ حكمة ثم الوصول إليها من فم جاهل.
5- مؤشرات نحو تكوين الباحث العلمي الكفوء..
إن مناقشة اسلوب تكوين الباحث تبدأ من الخطوات الأولى في تربية وتعليم الأطفال وتوجيههم نحو الإبتكار وإفراز ذوي المواهب الخاصة وتنمية تلك المواهب، ومن ثم توجيه الموهوبين نحو مواهبهم، إضافة إلى تربيتهم الأخلاقية والنفسية لكي يكونوا أفراداُ أسوياء يستطيعون التعامل مع مجتمعاتهم باتزان وواقعية.
إن موضوع تنمية قابلية الإبتكار لدى الأطفال بصورة عامة والموهوبين منهم بصورة خاصة هي من العناصر الهامة المؤدية إلى تكوين باحثين في مختلف مناحي الحياة.
أما في مراكز البحوث والجامعات والمواقع المتخصصة، فإن هناك ضرورة لإيلاء تنمية قابليت الباحث أهمية قصوى فالقابلية على الإبتكار موهبة يمكن تنمينها، ومن ضمن ذلك تنمية قابلية الذاكرة ودقة الملاحظة والمواهب الرياضية والأساليب العلمية للتحليل والإستنتاج والعلوم المتعلقة بالإحصاء واستخدام الآلات الخاصة والبرمجيات الحديثة المساعدة وغير ذلك من الأساليب العلمية المساعدة.
أما في حقل التخصص.. فإن المشكلة في الحلقات الدراسية ومجموعات البحث واللجان العلمية ونشر الأبحاث وتقييم ودراسة الأبحاث ومعايير التقييم والمناقشات العلمية وغير ذلك من الأمور التخصصية الدقيقة والعامة، تؤدي إلى تنمية قابليات الباحث ورفع كفاءته في حقل تخصصه.
أما الجوانب الأخلاقية والنفسية والإجتماعية فيمكن تنميتها هي الأخرى بالمناقشات الصراحية والمحاضرات العامة والقدوة الحسنة ممن هو أكثر علماً وأكبر سناً.
إن أسلوب العمل الجماعي في الحضارة الإسلامية كان يتم بعلاقة وثيقة بين الشيخ وطلبته، ونجده في بعض المؤسسات البحثية الغربية حيث يلتف عدد من مساعدي الباحث والباحثين حول باحث قدير وتكون من أقصى أمانيهم أن يقترن اسم أحدهم باسم ذلك الباحث القدير والعالم المشهور.
إن هذا الأسلوب هو ما نحتاجه في مؤسساتنا الببحثية سواء في الجانب العلمي أو في الجانب الأخلاقي..فالباحث القدير يجب أن يكون مربياً وموجهً وعالماً ومن ثم يلتف حوله طلبته ومساعدوه لا ليتعلموا حقائق علمية وخبرة فحسب، بل وأساليب تعامل وحكمة وأخلاق أيضاً.
إن على الباحث في بلادنا مهام خاصة قد لا يستدعي توافرها للباحث في ديار الغرب، فمستوى الإخلاص العادي يكاد يكون كافياً في الغرب، أما لدينا فإن ذلك لا يكفي هنا حيث يجب أن يتميز الباحث في إخلاصه وهذا الذي يتساوى بالمجاهد.. وعليه أن يكون حساساً لمتطلبات التنمية التي يحتاجها وطنه، وأن يكون رد فعله المزيد من الحرص والمثابرة، والحق يقال أن هناك الكثير من المثبطات المحيطة بالباحثين العرب والمسلمين، ومن تلك سوء الإدارة والتقلبات السياسية العنيفة وامشاكل الإقتصادية وغيرها.. في حين يحتاج الباحث إلى الإستقرار الفكري والنفسي المشجع على البحث والإبتكار وهذا لا يتأتى إلا بالإرادة القوية والحرص على التغلب على المثبطات مهما كان نوعها ومصدرها.
إن القلق بشكل عام (بسب الظروف المحيطة)، هو عامل سيء يؤدي إلى تدهور القابلية على الإبتكار والعطاء.. إلا أن حسن استغلال الظروف في حالة القلق يمكن أن تعكس الواقع وتؤدي إلى طفرات وقفزات لا يمكن الحصول عليها في ظروف عادية.. فالخوف من الفناء أو ظروف الخطر الجسيم كاحروب والحصار والمقاطعة وغيرها يمكن أن تكون حافزاً لقفزات لا يمكن الوصول إليها اعتيادياً في ظروف السلم أو الرفاه.. ولقد علمنا التاريخ أن القفزات النوعية الهائلة لا تأتي إلا في ظروف صعبة.. أما التحسينات والتطويرات فيمكن أن تأتي في ظروف الرخاء والراحة.
لذلك فإن ظروف الأمة الصعبة والمصيرية اليوم يمكن أن تؤدي إلى قفزة هائلة إذا أعد لها حكماء الأمة العدة في كل مناحي الحياة.. أو إلى نكبة هائلة لا سمح الله، إذا ما نكص أولئك أو فرطوا في واجبهم في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الأمة.
6- الإبتكار في اختيار الأبحاث..
إن تأسيس مراكز الأبحاث ومواضيع الأبحاث وتنظيم عملية البحث كل ذلك يحتاج إلى ابتكار، فليس مفيداً أن ننشيء مركزاً للبحث مماثلاً لما هو منشأ في مكان آخر إلا أن نجد لذلك منفعة خاصة. وليس مفيداً أن يقوم ذلك المركز بما يقترحه خبير أجنبي أو أن يجري ما يتم في مركز آخر.. فالإبتكار ضروري في إنشاء مراكز الأبحاث وفي اختيار مواضيع الأبحاث وفي تنظيم عملية البحث ولذلك فإن العاملين في عملية البحث يجب أن يكونوا على درجة من قابلية الإبتكار ولكي تكون نتائج الأبحاث مفيدة.
إن أهم ما يجب أن نتخلص منه هو فكرة وجود طريق واحد لتقدمنا ألا وهو السير على الخطى التي سار عليها الغرب للوصول إلى بعض ما وصلوا إليه. إن معرفة ما قام به ويقوم به الباحثون الغربيون أمر ضروري لكن السير على نهجهم وتقليدهم في كل صغيرة وكبيرة هو الخطر الذي يتهددنا.. إن تقليد المغلوب للغالب هو سنة إجتماعية كتب عنا ابن خلدون قبل قرون.. لكن عدم انقيادنا لتلك السنة ومحاولة الإبتكار بدل التقليد بدل التقليد هو الأساس لإحياء حضارتنا وتأكيد استقلالنا وهذا الإبتكار بالتأكيد أصعب كثيراً من التقليد والأخذ بالنهج المنظور أمامنا.
وثمة أمر آخر هو أن الغرب نفسه لن يسمح لنا بأن نسير في الدرب الذي سار فيه فعلياً، فنصل إلى ما وصل إليه في كل المجالات حتو ولو وصلنا متأخرين.. فهناك مجالات محرم علينا الولوج فيها، وهناك مجالات محبذ لنا الدخول إليها، فهل علينا أن ننفذ ما يمكن علينا أم هناك طريق آخر علينا أن نسلكه؟
وهنا يجب أن نسأل أين الأبحاث النابعة من حاجة الأمة فعليأ؟ وكيف نبحث عن مواضيعها؟ وكيف ننظم عملية البحث؟
إن الإبتكار في ذلك هو الأساس ولذلك فنحن بحاجة إلى البحث أولاً في ذلك قبل أن نقوم بعملية البحث نفسها. إن علينا اقتراح مواضيع أبحاث لطلبتنا في الداخل والخارج، أثناء قيامهم بنيل شهادتهم العليا، وعلينا أن نجيب عن كل الأسئلة التي تطرح في مثل هذه الندوة لا بأجوبة مرتجلة ولكن بدراسات وأبحاث لكل فقرة أو فكرة تطرح فيها.
وهكذا فإن الباحث ومراكز الأبحاث والجهات المخططة للأبحاث في الحضارة الغربية، تكون منظومة حساسة تيحث متطلبات المجتمع ومن ثم تبحث عن الحلول لما يصادف المجتمع من مشاكل. وقد أٌفسح المجال له لكي يعرض على قيادات وأفراد المجتمع نتائج تلك الأبحاث لكي يتقرر أخيراً درجة أهمية الأخذ بتلك الحلول من عدمه. وهكذا فقد ثم توفير الحرية الكافيةوالحماية للباحث من جهة والديمقراطية
من جهة أخرى بشأن نقد وتقييم النتائج العلمية على الأقل من قبل المختصين أو الذين يعنيهم الأمر. ولا نقول بأن هناك حياداً مطلقاً تجاه النتاج العلمي ولكن هناك حياداً لا بأس به تجاه الباحثين وآرائهم ما لم تصطدم مع عقائد ومصالح السواد الأعظم من المجتمع أو الجهات المتنفذة فيه (مجموعات الضغوط في المجتمع الغربي). إن مراكز الأبحاث والتراث البحثي العلمي قد استغرقا قرونا حتى وصلا إلى ما هما عليه في الغرب لذلك فإن الباحث يجد مهمته يسيرة نوعا من لأن الظروف حوله هي التي توفر له الوسائل والطرائق للتقدم في بحثه. وحتى في حالة كون المركز البحثي غير موجود أصلاً وعليه أن يبنيه فإن بناءه لا يبدأ من فراغ، فهناك الكثير من الأمثلة السابقة وما حوله يساعده ويدعمه في تحقيق واجباته، بخلاف الوضع الذي عليه الحال في الأقطار العربية والإسلامية بل والنامية عموماً، إذ على الباحث أن يسبح عكس التيار، وأن يبدأ من فراغ مطلق، وأن يصنع كل ما حوله من ظروف لكي يسير نحو هدفه.
إن مستوى الإبتكار المطلوب من الباحث الغربي في ضوء الظروف التي يعيشها أقل من مستوى الإبتكار المطلوب من الباحث العربي في وطنه، فالأخير يحتاج إلى مواءمة فريدة ورائدة بين ظروف صعبة بل ومتناقضة بعضها يهدم بعضا لكي يخرج من خلالها بعمل وإنتاج ملموس في ضوء مدة زمنية لا يصبر المجتمع على إعطاء المزيد منها خاصة لمن لم يستغلها استغلالاً أمثل، ولا تسمح له أن يجرب فيخطأ. وهكذا نجد الباحث العربي الناجح في المؤسسات البحثية الغربية حين يعود لوطنه ومعه كل الخبرات التي اكتسبها هناك.. نجده يفشل في وطنه لا لشيء سوى أنه لا يجد الظروف السهلة الميسرة المحيطة بالبحث العلمي في بلده، بل يجد كل العقبات والتناقضات من حوله، وهو ليس مهيئاً لحل مثل هذه الإشكالات التتي تحتاج إلى ابتكار من نوع آخر ودراية بأمور بلده لم يكتسب الخبرة فيها. وهكذا يفشل هذا الباحث في إيجاد الحلول لما يحتاج مجتمعه، فتلجأ الغالبية العظمى منهم في إكمال ما بدأوه من أبحاث في الغرب عند دراستهم لنيل شهاداتهم العليا مما لا يجد تطبيقاً في مجتمعاتهم إلا القليل، والكثير مما لا تلح الحاجة للبحث فيه.
أما الشركات الأجنبية الإستشارية) فقد هيأ لها العالم المتتخلف حقول تجارب لإكسابها خبرة رائدة تستعملها في أماكن أخرى من العالم.. فإذا ما قامت بتجربة ما وفشلت قلما يسمى ذلك فشلا بل هو نجاح ليس وراءه نجاح أو يغض عنه الطرف.. وإذا ما انكشفت حقيقة فالسبب يعود للبلد المتخلف وليس للشركة أو الباحث الغربي.. وهكذا فإن تخلف البلدان النامية يزيد من إكساب الغرب خبرة وسيطرة ونفوذا.
وثمة أمر آخر، هو الحصول على المعلومات، فالباحث أو الخبير الأجنبي تقدم له كل المعلومات التي يحتاجها والتي لا يحتاجها، أما الباحث الوطني فالحصول على المعلومات عليه حرام في كثير من الأقطار النامية، فمن أين يأتي بالحلول لمشاكل لا يعلم عما يحيط بها من أمور شيئا ؟ وكيف ترجو مشورة من لم يملك خبرة ولا يسمح له أن يكتسب خبرة ؟ .. وهكذا نستنتج أن تقليد الباحث العربي للباحث الغربي لا يجدي نفعا فإن عليه أن يبتكر الكثير في ضوء ما يحيط به من ظروف في مجتمعه ، وبذلك يحتاج إلى درجة عالية من الإبتكار .
3- الباحث العلمي في التراث العربي الإسلامي..
سوف نلقي الضوء على مكانة الباحث العلمي في الحضارة الإسلامية لعلنا نجد فيها ما يساعدنا في تلمس طريقنا في المستقبل.
لم تكن العلوم الطبيعية في الحصارة الإسلامية منفصلة عن العلوم الإنسانية ةالدينية، لذلك نجد العالم الفلكي أو الرياضي هو مؤرخ وعالم بالفقه واللغة من جهة أخرى. لذلك فإن مناقشتنا هذه عن البحث العلمي في الحضارة الإسلامية لا يمكن حصرها في العلوم التقنية والطبيعيةبل ينبغي أن تشكل كافة جوانب الحضارة الإسلمية المترابطة.
لقد كان الباحث في الحضارة الإسلامية' عالما أو شاعرا أو فقيها أو فلكيا أو رياضيا مدركا لواقع الحياة العلمية في مجتمعه ومطلعا بل ومترابطا ومرتبطا بالنتاج العلمي لأقرانه ومن سبقوه من الباحثين والعلماء. لقد كان من أهم ما يمتاز به العلماء العرب والمسلمون الشمول والصدق والدقة والقناعة والزهد والصبر.. ولم يكونوا يلهثون وراء المكاسب المادية إلا ما ندر.. وكانت الغالبية العظمى منهم تبحث وتكد وتجتهد ابتغاء وجه الله، فقد عرفوا البحث العلمي وطلب العلم بكل فروعه التي تخدم الأمة.. عرفوه عبادة وجهادا، مهتدين بهدي القرآن الكريم في حثه على استعمال العقل ..أفلا يتدبرون، ..أفلا يعقلون، قل انظروا ماذا في السموات والأرض..، قل سيروا في الأرض فانظروا..، أولم يتفكروا، أولم ير الإنسان أنا خلقناه..، أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز..، أولا يرون أنا نأتي الأرض..، وعلمناه صنعة لبوس لكم..، علم الإنسان ما لم يعلم..، إنما يخشى الله من عباده العلماء..، وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
وهكذا نجد العلماء العرب والمسلمين تشدهم إلى عملهم ونتاجهم، روح وشعور يتسامى عن المادة وينأون بأنفسهم أن يقعوا في حبال الشهرة والجاه والمنصب والمكانة الإجتماعية وغيرها من الأمور المعنوية التي يحرص عليها علماء العرب اليوم والتي تعتبر جزءاً من المكافأة الدنيوية لهم من قبل مجتمعاتهم.
إن البحث وطلب الباحثين وطلب العلم من الباحثين العرب والمسلمين كان في عامته عملا من الأعمال المرتبطة بالعبادة ورضوان الله تعالى عليهم وفي ذلك يقول الإمام الغزالي الذي أرسلته أمه في صغره إلى المسجد يطلب العلم لكي يحصل على مهنة يعيش منها، يقول: "إبتغينا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله".. وهذا ينطبق على مئات بل آلاف من العلماء المسلمين الذين كانوا لا يجدون ما يقيمون أودهم وأود عائلاتهم إن كان لهم عوائل إلا من نسخ الكتب أو بيعها أو أعمال يدوية بسيطة، ولم يكونوا يبحثون قط عن شهرة أو جاه أو سلطان، بل كان أغلبهم يتحاشون الإختلاط مع السلاطين والأمراء خوفاً على دينهم من أن يعاب بأذى.
واليوم تلاقي الدعوة إلى العودة إلى تراث الأمة استحساناً لدى الكثير من مخلصي الأمة. إلا أن التقليد المحض لما هو في طبيعته جهداً بشرياً بذل فيه مبتكروه وجهدهم لكي يصلح لعصورهم لا يستدعي بالضرورة صلاحه لعصور أخرى.
إن استنهاض الأمة بتقليد أولئك السلف يكون بتقليدهم في خصالهم التي مرت من جهة، وابتكار الأساليب والوسائل التي تجمع بين تلك المثل والتقاليد التي حملوها وما يجابه المجتمع اليوم في ضوء الحضارة الحاضرة.
إن التحدي الكبير الذي يعاني منه الباحثون العرب والمسلمون اليوم، يكمن في الإبتكار للجمع بين التراث وروح العصر وهذه مهمة ليست باليسيرة كما يتراءى لأول وهلة.
4- مزايا الباحث العلمي الذي نحتاج:
من هو الباحث العلمي الذي نحتاج؟؟ ليس هو الموظف في مؤسسة مكتوب على بابها مركز بحث كذا أو مؤسسة بحث كيت.. الباحث هو الرائد الذي لا يكذب أهله والدليل لهم في ظلمات الجهل والتخلف. فالمفكر باحث، والوصحفي النشط باحث، والكاتب باحث، والمؤرخ باحث.. لذلك فإن الباحث الأمين يجب أن يتسم بالصدق والإصرار على الوصول إلى حلول للمشاكل التي يبحث فيها.. لهذا فإن مواصفات البحث تشمل لا محالة الجانبين المترابطين: الجانب الفني والجانب الأخلاقي.
في الجانب الفني.. يجب أن يكون الباحث مطلعاً على كل جوانب المشكلة التي يبحث عن حل لها، فهو بذلك بحاجة إلى المصادر الوثائقية والأدوات المختبرية والإتصالات الحديثة لكي لا يبذل جهوداً في حل مشاكل قد تم حلها في مكان آخر، وأن يعرف ما يرتبط بالمشكلة التي يدرسها من أمور، لذلك فإن الباحث يجب أن يتصف بمؤهلات فنية ذات علاقة بموضوع بحثه وأن يكون حريصاً أشد الحرص على الوصول إلى نتائج مفيدة وأن لا يدخر جهداً في سبيل تحقيق تلك الغاية.
أما في الإتجاه الأخلاقي.. فإن الباحث يجب أن يتصف بالصدق مع نفسه ومع من أئتمنه على أداء تلك الأمانة وأن يقوم بواجبه على أكمل وجه، وان لا تقف العقبات المادية الشخصية حائلاً دون أدائه لعلمه، ليس المقصود من ذلك أن يزهد الباحث في الدنيا ولا يهتم بحاجاته المادية ولكن عليه أن لا يقيم أية علاقة مباشرة بين المكافأة أو الراتب وبين نزاهة العمل البحثي ودقته وأصالته، فليس الموضوع موضوع بيع وشراء وعقد وتعاقد إن أخل أحد الطرفين بجزء من العقد كان الثاني في حل من الإلتزام (من وجهة نظره) فليس الأمر كذلك ولن تتقدم أمة روادها بهذه العقلية.
إن الموضوع هو موضوع جهاد، فالباحث يجب أن يكون مجاهداً عاهد الله تعالى على أداء واجبه سواء وفى العباد بدفع مكافآتهم له أم لا.. أما إن لم يكن كذلك فهو أجير يقوم بأداء عمل معين، وليس رائداً. والفرق بين الرائد والأجير كالفرق بين عنترة قبل أن يدرك حريته وبعدها حين ناداه أبوه (كر وأنت حر).. والحق أننا لن ولن نصل إلى وضع يكون فيه كل الباحثين مجاهدين، فلا بد وأن بينهم أجراء.. ولكن تقدم البحث الحقيقي لن يقع على عاتق الأجراء بل المجاهدين، وما لم يكن المجاهدون هم الغالبية أو أن بيدهم زمام المبادرة، فلن يكون لأبحاثنا تقدم يذكر. إن بين المواصفات الفنية والأخلاقية مواصفات لا بد منها لمن يتقدم لكي ينال تسمية الباحث، فعله أن يجبر نفسه على صفات يلزمها إلتزاما، عليه أن يكون صبوراً واقعياً للظروف المحيطة ببحثه متواضعاً إذا ما حقق نتائج باهرة، منظماً في عمله لا تشوش على تفكيره عقبات أو اضطرابات العالم من حوله رغم أن عليه أن يعيش هموم أمته ويساهم في حلها وأن يستغل كل ما يتوفر له من خدمات وحاجيات بأفضل وجه حتى وإن كانت يسيرة فلا يسرف في متطلبات فوق طاقة المصادر المتوفرة، وأن يولي أقصى اهتمام للتعامل مع البشر من حوله من مساعدين وباحثين آخرين وذوي علاقة، ولا يتعالى على من هو دونه علماً ومعرفة ولا يسفه رأياً مهما كان ساذجاً فربّ حكمة ثم الوصول إليها من فم جاهل.
5- مؤشرات نحو تكوين الباحث العلمي الكفوء..
إن مناقشة اسلوب تكوين الباحث تبدأ من الخطوات الأولى في تربية وتعليم الأطفال وتوجيههم نحو الإبتكار وإفراز ذوي المواهب الخاصة وتنمية تلك المواهب، ومن ثم توجيه الموهوبين نحو مواهبهم، إضافة إلى تربيتهم الأخلاقية والنفسية لكي يكونوا أفراداُ أسوياء يستطيعون التعامل مع مجتمعاتهم باتزان وواقعية.
إن موضوع تنمية قابلية الإبتكار لدى الأطفال بصورة عامة والموهوبين منهم بصورة خاصة هي من العناصر الهامة المؤدية إلى تكوين باحثين في مختلف مناحي الحياة.
أما في مراكز البحوث والجامعات والمواقع المتخصصة، فإن هناك ضرورة لإيلاء تنمية قابليت الباحث أهمية قصوى فالقابلية على الإبتكار موهبة يمكن تنمينها، ومن ضمن ذلك تنمية قابلية الذاكرة ودقة الملاحظة والمواهب الرياضية والأساليب العلمية للتحليل والإستنتاج والعلوم المتعلقة بالإحصاء واستخدام الآلات الخاصة والبرمجيات الحديثة المساعدة وغير ذلك من الأساليب العلمية المساعدة.
أما في حقل التخصص.. فإن المشكلة في الحلقات الدراسية ومجموعات البحث واللجان العلمية ونشر الأبحاث وتقييم ودراسة الأبحاث ومعايير التقييم والمناقشات العلمية وغير ذلك من الأمور التخصصية الدقيقة والعامة، تؤدي إلى تنمية قابليات الباحث ورفع كفاءته في حقل تخصصه.
أما الجوانب الأخلاقية والنفسية والإجتماعية فيمكن تنميتها هي الأخرى بالمناقشات الصراحية والمحاضرات العامة والقدوة الحسنة ممن هو أكثر علماً وأكبر سناً.
إن أسلوب العمل الجماعي في الحضارة الإسلامية كان يتم بعلاقة وثيقة بين الشيخ وطلبته، ونجده في بعض المؤسسات البحثية الغربية حيث يلتف عدد من مساعدي الباحث والباحثين حول باحث قدير وتكون من أقصى أمانيهم أن يقترن اسم أحدهم باسم ذلك الباحث القدير والعالم المشهور.
إن هذا الأسلوب هو ما نحتاجه في مؤسساتنا الببحثية سواء في الجانب العلمي أو في الجانب الأخلاقي..فالباحث القدير يجب أن يكون مربياً وموجهً وعالماً ومن ثم يلتف حوله طلبته ومساعدوه لا ليتعلموا حقائق علمية وخبرة فحسب، بل وأساليب تعامل وحكمة وأخلاق أيضاً.
إن على الباحث في بلادنا مهام خاصة قد لا يستدعي توافرها للباحث في ديار الغرب، فمستوى الإخلاص العادي يكاد يكون كافياً في الغرب، أما لدينا فإن ذلك لا يكفي هنا حيث يجب أن يتميز الباحث في إخلاصه وهذا الذي يتساوى بالمجاهد.. وعليه أن يكون حساساً لمتطلبات التنمية التي يحتاجها وطنه، وأن يكون رد فعله المزيد من الحرص والمثابرة، والحق يقال أن هناك الكثير من المثبطات المحيطة بالباحثين العرب والمسلمين، ومن تلك سوء الإدارة والتقلبات السياسية العنيفة وامشاكل الإقتصادية وغيرها.. في حين يحتاج الباحث إلى الإستقرار الفكري والنفسي المشجع على البحث والإبتكار وهذا لا يتأتى إلا بالإرادة القوية والحرص على التغلب على المثبطات مهما كان نوعها ومصدرها.
إن القلق بشكل عام (بسب الظروف المحيطة)، هو عامل سيء يؤدي إلى تدهور القابلية على الإبتكار والعطاء.. إلا أن حسن استغلال الظروف في حالة القلق يمكن أن تعكس الواقع وتؤدي إلى طفرات وقفزات لا يمكن الحصول عليها في ظروف عادية.. فالخوف من الفناء أو ظروف الخطر الجسيم كاحروب والحصار والمقاطعة وغيرها يمكن أن تكون حافزاً لقفزات لا يمكن الوصول إليها اعتيادياً في ظروف السلم أو الرفاه.. ولقد علمنا التاريخ أن القفزات النوعية الهائلة لا تأتي إلا في ظروف صعبة.. أما التحسينات والتطويرات فيمكن أن تأتي في ظروف الرخاء والراحة.
لذلك فإن ظروف الأمة الصعبة والمصيرية اليوم يمكن أن تؤدي إلى قفزة هائلة إذا أعد لها حكماء الأمة العدة في كل مناحي الحياة.. أو إلى نكبة هائلة لا سمح الله، إذا ما نكص أولئك أو فرطوا في واجبهم في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الأمة.
6- الإبتكار في اختيار الأبحاث..
إن تأسيس مراكز الأبحاث ومواضيع الأبحاث وتنظيم عملية البحث كل ذلك يحتاج إلى ابتكار، فليس مفيداً أن ننشيء مركزاً للبحث مماثلاً لما هو منشأ في مكان آخر إلا أن نجد لذلك منفعة خاصة. وليس مفيداً أن يقوم ذلك المركز بما يقترحه خبير أجنبي أو أن يجري ما يتم في مركز آخر.. فالإبتكار ضروري في إنشاء مراكز الأبحاث وفي اختيار مواضيع الأبحاث وفي تنظيم عملية البحث ولذلك فإن العاملين في عملية البحث يجب أن يكونوا على درجة من قابلية الإبتكار ولكي تكون نتائج الأبحاث مفيدة.
إن أهم ما يجب أن نتخلص منه هو فكرة وجود طريق واحد لتقدمنا ألا وهو السير على الخطى التي سار عليها الغرب للوصول إلى بعض ما وصلوا إليه. إن معرفة ما قام به ويقوم به الباحثون الغربيون أمر ضروري لكن السير على نهجهم وتقليدهم في كل صغيرة وكبيرة هو الخطر الذي يتهددنا.. إن تقليد المغلوب للغالب هو سنة إجتماعية كتب عنا ابن خلدون قبل قرون.. لكن عدم انقيادنا لتلك السنة ومحاولة الإبتكار بدل التقليد بدل التقليد هو الأساس لإحياء حضارتنا وتأكيد استقلالنا وهذا الإبتكار بالتأكيد أصعب كثيراً من التقليد والأخذ بالنهج المنظور أمامنا.
وثمة أمر آخر هو أن الغرب نفسه لن يسمح لنا بأن نسير في الدرب الذي سار فيه فعلياً، فنصل إلى ما وصل إليه في كل المجالات حتو ولو وصلنا متأخرين.. فهناك مجالات محرم علينا الولوج فيها، وهناك مجالات محبذ لنا الدخول إليها، فهل علينا أن ننفذ ما يمكن علينا أم هناك طريق آخر علينا أن نسلكه؟
وهنا يجب أن نسأل أين الأبحاث النابعة من حاجة الأمة فعليأ؟ وكيف نبحث عن مواضيعها؟ وكيف ننظم عملية البحث؟
إن الإبتكار في ذلك هو الأساس ولذلك فنحن بحاجة إلى البحث أولاً في ذلك قبل أن نقوم بعملية البحث نفسها. إن علينا اقتراح مواضيع أبحاث لطلبتنا في الداخل والخارج، أثناء قيامهم بنيل شهادتهم العليا، وعلينا أن نجيب عن كل الأسئلة التي تطرح في مثل هذه الندوة لا بأجوبة مرتجلة ولكن بدراسات وأبحاث لكل فقرة أو فكرة تطرح فيها.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت سبتمبر 26, 2009 8:21 am من طرف kid
» كلام الحب قبل وبعد
الثلاثاء سبتمبر 01, 2009 3:41 pm من طرف ammar hamour
» رمضانيات على الكل
الإثنين أغسطس 31, 2009 7:46 am من طرف JOKER
» استعمال كلمة(حيوان)للسب
الأحد أغسطس 30, 2009 12:49 am من طرف ammar hamour
» الرحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
الثلاثاء يونيو 16, 2009 11:17 pm من طرف JOKER
» عشرة أشياء لن يسألك الله عنها
السبت فبراير 14, 2009 1:33 pm من طرف ود الفاتكان
» ارض الـــــــحـــكــم
الجمعة فبراير 06, 2009 1:40 am من طرف kid
» الــــــــــــحـــــــــــــكـــــــــــمـــــه
الأربعاء فبراير 04, 2009 11:38 am من طرف kid